Yassin Adnan

صیادون بقمصان الحصاد

الحراس الأبدیون لھیكل الیقظ

بحارة بأمزجة بریة

نزحوا منذ أعوام بعیدة إلى ھنا

وھاھم یدفنون أعقاب مصائرھم

في الموج

ویتذكرون دائماً

أن آبائھم كانوا فلاحین.

لا یفكرون في الله كثیراً. لكنھم

یخافون الموت

ویحفظون قصار السور.

أنت تعرف عاداتھم جیداً

خبرت أسرارھم وریاح معاطفھم

صداقتھم السكرانة

بسبب كل ذلك النبیذ،

وقبعاتھم المفتولة من الدوم.

كنت بینھم

حینما تحلقوا في اللیل

حول ضوئھم البارد

البطيء،

أنت تحفظ أغانیھم الحزینة

– تلك التي لا تشبه أغاني الرعاة-

وحكایاھم عن الحیتان

رغم أنھم لا یصطادون غیر الأسماك الصغیرة.

وحین یكون الطقس كلباً

یجرون كالسناجب إلى جذعھم الدافئ

عند مدخل المیناء،

ویثرثرون لساعات

كما لو أن الكلام رئة العالم

ومجالسھم أنفاس عافیتھا.

الصیادون..

لیسوا دوماً عاقلین

مرة ألقوا بأجسادھم تباعاً إلى البحر

تحت سماء الله الفارغة

من النجوم.

ولم ینتبه لشقاوتھم، ولا لمسراتھم

الصغیرة.

الصیادون

عیون البحر المفتوحة

على مرافئ العالم

(متى ینامون؟)

حتى زوجاتھم

-حینما یعودون إلى البیت

في آخر اللیل-

یجدونھن نائمات،

ینغرسون بین أحشائھن

كیفما اتفق

ولأن النساء تعودن

بتن ینمن بدون سراویل.

في المیناء

ینسون أن لھم زوجات وأطفالاً

ویتحدثون فقط عن الحیتان،

ینسون أیضاً أن الأسماك الصغیرة وحدھا

بانتظارھم

لكنھم یثرثرون بلا ھوادة

ویكرعون النبیذ في عرض البحر.

تراھم صاخبین كالأمواج

یتبادلون التحایا

والشتائم البذیئة، وھم یدخنون.

رئاتھم الكبیرة تتنفس الغیوم،

دخان السفن الھاربة من ضباب

الأعالي،

وصداقة البحارة الكوریین.

حتى عندما یقصدون بیوتھم
في آخر اللیل

سرعان ما یعودون.

بأعصاب النشالین،

یتسللون خارج نسائھم

یدیرون المفتاح خلفھم مرتین

ویعودون إلى حضنھم الأزرق العظیم.

ھؤلاء الصیادون..

یبالغون بالتأكید

حینما یحكون عن أنفسھم

كما لو غیلان بریة شرسة

تغزو البحر یومیاً

لتأدیب الأعماق.

طبعاً یبالغون

فحین، فرادى، یعودون إلى بیوتھم

لیلاً من المیناء،

یبدو الواحد منھم خائفاً مضطرباً

كشجرة طریة العود

نبتت عریانة في خلاء.

لكنھم شجعان حین یجتمعون

وجمیلون كالأطفال

بحماقاتھم

وبقبعات الدوم.

 

في الطریق إلى عام ألفین

في عام ألفین

ستحدث أشیاء كثیرة لھذا العالم

قالت لنا المعلمة

ذات الحجاب الأبیض المطرز

والعینین المؤمتین..

قالت لنا

ذات مساء ماطر قدیم:

ستصیر أصوات العرافین بیضاء

وسیظھر المسیح

بلحیة من نور

حافیاً

سیمشي بین الناس في الأسواق

سینفلق الجبل

الرابض عند مدخل المدینة

عن ناقة مجنحة

ستولد الصبایا بزعانف ذھبیة

تماماً كحوریات البحر

وستصعد أعیننا إلى أعلى بالتدریج

لتستقر فوق الرأس

فترى خطوات الله الشفیفة

الحانیة

حتى لكأنھا الھواء.

في عام ألفین

قالت لنا المعلمة

-والمطر ینقر النوافذ

فیما البرد یتسلل إلى عظامنا الصغیرة-

سیصیر الله قریباً

وفي جنازة باذخة

سنشیع ھذا العالم الضاري

إلى مثواه الأخیر

لم أنتظر طویلاً

بلى

كم انتظرت

وھا أنا بعد كل ھذي الریاح

أرى الرمال

تلعق نارھا عند قدم الجبل

والعواصف تضمد

أسرارھا

خارج أسوار التاریخ

لم أجئ إلى ھنا صدفة

فقد قطعت

بحاراً ومحیطات

جربت المساءات الملولة

وصباحات الرضى

جربت الحب العاري

والنزھات المرتجلة

جربت السھر

في خیمة القمر حارس البحیرات

جربت النوم

في المحطات

عقدت صفقات سریة مع الفرح

في الشوارع الخلفیة

للحیاة

ھربت نجوم

سمائي الأولى

في غفلة من حراس الفصول

لم أجئ إلى ھنا صدفة

فقد قطعت

بحاراً وصحارى

رأیت جثثاً معلقة

على أسلاك في مدن مھجورة

مررت بأكراد یزیدیین

علقوا صور الشیطان

على جدران معبدھم شمال العراق

وطفقوا یرتلون سیرتھا المقدسة

على أحفاد عراة

مررت بجزائریات ضاجات بالحیاة

یخبئن المسرات والسجائر في مناھدھن

قبل أن یخرجن إلى الشارع

بملامح مشدودة تلیق بحظر التجول

مررت بزوجات الصیادین في بحر الشمال

ولم تكن الأسماك

المعروضة للبیع أمامھن

تشبه الأسماك.
حیاتي التي جرجرتھا مثل ناقة

عجفاء

في منحدرات الروح

ما زالت تلھث خلفي غیر آبھة

بریح النھایات.

وھانحن مازلنا كما كنا دائماً

لم تنبت لنا أجنحة

ولا جفت خطونا

الظلال.

لقد قطعت براري العمر لاھثاً

في الطریق إلى

عام ألفین

والآن

بعد كل ھذه الأخادید التي

حفرتھا الأیام داخلي

لم یحدث شيء. لم یحدث شيء.