Mohamed Maïmouni
عودة
أعود الیوم للأمس المموه
أعود إلى التناسي
إلى ظل یخیط اللیل باللیل
یطول فیسترد اللیل قامته
ویستولي على قمر
یسامر لیلة الأشباح
أعود إلى أصائل ما قبیل أعید
أصائل موكب الأرواح
إلى نجم غریب الضوء
یمحو صبغة الأشیاء
وتحتجب الأھلة
حین یظھر في سماء العید
على أكتاف مئذنة
تناطح زرقة العلیاء
أعود إلى التواءات الخطى
في الشارع الحجري
إلى طرق
تسافر في خیال الرائح الغادي
وأبواب معتقة
وأسوار تحاور ظلھا
في رأس زاویة المرستان
الذي یرتاده العقلاء
إلى شفشاون الألم المموه بالتناسي
الطحالب
الهواء بلا شجر
والطيور معلقة في السحاب
على رأس زاوية الضوء
منفية من أناشيدها
والحروف بلا لغة
والبحار طوت ثوبها
إذ تخلت عن الموعد الريح
وانسحبت للمغاور
الصباح/المساء
يسيران مثنى
خطى متوازية
يحملان رفات المدينة،
والطحالب تمكت في برك
نسيتها الخرائط
لا هي بحر
يخلخله الموج
لا هي يابسة
تطمئن إليها البيادر.
كوابيس الميناء
تحت جناح الليل المقرور
ينزلق على الاسمنت النور
ينزل من فانوس شاحب
ماء آسن
يلمس وجه الصخر الساكن
يطفو فوق الأرض القفراء
كابوس المقبرة الخرساء
يصرخ صمت لاهب
صمت العرق المتزلج في أرض الميناء
عصفور يحلم مفتوح العينين
تهوي أحلامه من أغصان ذابلة غبراء
والآلهة المتجمدة البلهاء
مدت خيط الصدإ القاتل
للبشر المشدودين إلى الرسن الخانق
يأتون إذا انتفض العصفور
من حلمه قبل مجيء النور
* * *
قافلة البشر المتآكل
تأوي الآن إلى زاوية النسيان
خيط الصدإ القاتل
يمتد إلى كل الأكواخ
يتدلى من أقواس النصر
يتسلل من ثقب الجيران.
غابات الهمس على أرض الميناء
تأتي من فاتحة الليل الواجم.
جرح يتناسل في رحم الزمن القادم.
مديح النيزك
1
صعدنا بصعود غرناطة
على جناح روح البیازین
وقیل ھذا مدخل السماء
ومھبط الظنون والیقین
ومصرع الشھید
وفیوض أم الماء
ومشھد الذي قضى
بلا جنازة ولا ضریح
والشاھد الحي على الذین یحضرون في المیقات
ویمضون
وھو الآن وحده الذكرى
وھل یكون الذكر
دون الذاكرین ؟
2
من تقاطع حد السماء وحد الرمال
أتوا ،
من بعید القریب أتوا ،
نزلوا بسھول ممھدة
لألیف المكان
من نواة مخصبة
وشرائط من صبغة الخلق
صاغوا عصارة فعل الحضارة
حلوا بھا حیث كانوا شھوداً
على نسق وحوادث
كالریح والاشتعال
كالطیور الكبیرة
حطوا على قرن ھذا الجبل
وتمدد ظلھم بالبیاض
على كاھل الیوم
واشتعلت في جنان الكھوف
جداول من كل ما لا یقال
زرعوا كرمة
وأقاموا علیھا سماء مرصعة بالخیال
وجسورا وأشرعة
وبحارا مشجرة بالحنین
وأقاصیص ملغزة بالسؤال
الوفاء الذي یتلافح في رحم الماء
مد انابیبه في الھواء
وسرى في متاھات نسغ الشجر
وتدرج في سلم من تراب
إلى شجر
فسحاب
إلى ذھب في الظلام
بالوصول أضاءوا المآذن
وامتلأت بالعنادل بیض السحب
صعدوا درج الشوق
مستندین على قلم وحجر
وبنوا برماد قلیل من العمر
جسرا وأوردة
وتواروا وراء الكنى والحجب
تركوا دمعھم في الزمان المجاور
عیناً مبللة بحنین خفیف
وارتقوا صخرة مع سبع بنات
تركن اللآلي في غصنھا
والخلاخیل في سلة من حریر
وصنعن ملامح سیدة القصر
من فضة ونحاس
وقلن لسر النوسة
كن من تراب وماء
وسماء موازیة لامتداد الضیاء
ثم نادینھا باسم غرناطة
اسألوا إن حللتم بھا
شمعة في حداد البیاض
مرقت فجأة من ظلام طویل
لمعت فوق قرن الجبل
رسمت قمراً
واختفت في الھواء الفجائي
في خطوة
متأنیة باذخة
مثل لمس الأصابع للوتر المستجیب
ومثل ظلال المآزن
في اللیلة المقمرة
من مثول وئید أمام الزمان المباشر
حتى الزمان المجاور
تغرورق العین من ذكر موتى
قضوا فوق جسر الرماد
ولم یدركوا أن قرب المسافة
شوط بعید
لیت كل الرامل كن
بما حملت كل باقاتھن الثیرة من أسف وحنین
أمھات توبخن كل أبي عبد الله
وتسخرن من دمعه
أخطات وقتھا
واكتفت بالزمان المجاور
كي تكتوي بالزمان المباشر.
قصائد سائبة
أنت كل صباح ميناء انتظار
علّ وجه الحبيبة ينقر بابك
أو يتطفل دون استشارة
تتوسم في وجه كل وصول بشارة
أنت حين يجن الظلام عبور
نحو كل الضفاف البعيدة
غير أن السفينة من رغوة
تتكسر عند الصخور العنيدة
* * *
أبدا هذه الأرض دائرة
والزمان يهاجر مختلسا
غفوة الفجر
لكن فاتنتي يتفجر فيها الجمال
إسالوا الوافقين على الثلج
والراحلين وراء القوافل..
إذ تعول الريح في عين فاتنتي
وتغيب الزوارق.
لا موت بعد اللقاء
إهدموا الشط
وليغمر البحر كل الغياب
حينما يتمدد بيني وبينها بحر
تكون هي البحر
إذ يتكثف بيني وبينها غاب
تكون هي الشمس
ساكنة قلب كل الرياح
* * *
يتنقل وجه المدينة بين سبات وصحو
وتستيقظ النار ملتاعة
ويكون السبيل إليك على الجمر
ها زمن الحلم يهرب مني
وتلتجين إلى القلب
إرجعي لسمائك إن لم تكوني من الأرض
أو فانبتي نخلة
أو أضيئي طريقي إليك
إذا كنت محارة في ظلام المحيط
حيثما أتوجه ألق خطاك
على ساحة الاغتيال
ووجه الحبيبة
وفي الأغنيات التي تتردد
بين دهاليز سجن
وفي قهقهات الطفولة.